تواصل المملكة العربية السعودية استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها في ظل رؤية المملكة 2030، ومنها تطوير المالية العامة، من خلال تحقيق أهداف برنامج الاستدامة المالية الذي يسعى إلى مواصلة العمل على مبادرات برنامج تحقيق التوازن المالي والتحول إلى الاستدامة المالية عبر عدد من المبادرات والإجراءات منها، تبني قواعد مالية من شأنها المساهمة في تعزيز الضبط المالي، والسيطرة على مستويات عجز الميزانية للعام 2022م، الذي يقدر أن يبلغ نحو 1.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يستمر في الانخفاض التدريجي على المدى المتوسط، وتحقيق فوائض في الميزانية بدءًا من العام 2023م.
ويمثل تعافي الأداء والنمو الاقتصادي عنصراً مهماً في تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية للعام 2022م، حيث تظهر المؤشرات تعافياً مستمراً في أغلب الأنشطة الاقتصادية، مع توقع باستمرار ذلك التعافي في بعض الأنشطة بمعدلات أسرع قد تتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، وقد ساهمت جهود الدولة في التعامل معها في الحد من آثارها وانحسارها بشكل كبير رغم التحديات العالمية في تحور الفيروس، واستمرار انتشاره في كثير من الدول، حيث وضعت حكومة المملكة الإنسان وسلامته أولوية قصوى بسّن العديد من الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي تكفل حمايته، كما وفرّت اللقاح لجميع المواطنين والمقيمين، وحققت المناعة المجتمعية بنسب مرتفعة، ولم تقتصر جهود المملكة في مواجهة الجائحة على المستوى المحلي، بل ظهر دورها جلياً على المستوى العالمي بدعمها ومساندتها للجهود الدولية في التصدي للجائحة.
كما ساهمت مبادرات تحفيز الاقتصاد ودعم القطاع الخاص كتلك المقدمة من البنك المركزي السعودي في سرعة استجابة الاقتصاد، ففي النصف الأول من العام 2021م سجل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نمواً قدره 5.4 % مدعوماً بنمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص الذي سجل نمواً قدره 7.5 %. كما تشير التوقعات إلى تسجيل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة 2.6 % في العام 2021م مدفوعًا بنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بمعدل 4.2%. كمـا أن اســتمرار التقــدم فـي تنفيـذ برامـج ومشـاريع تحقيق الرؤيــة، وتطويــر القطاعــات الواعــدة فــي الاقتصاد، والتقــدم فــي تنفيــذ العديد مــن المبــادرات المعــززة للاســتثمار، وتحفيــز الصناعــة والصــادرات غيــر النفطيــة.
عملت الحكومة على دعم القطاع الخاص من خلال تمديد عدّة مبادرات لتخفيف أثر الجائحة، بشكل يعزز استمرار النمو الاقتصادي المستدام على المدى المتوسط، ومن تلك المبادرات قيام صندوق الاستثمارات العامة بضخ ما يقارب 150 مليار ريال سنويًا في الاقتصاد حتى العام 2025م، مدعومًا بالمشاريع التي ستزيد وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في خلق فرص استثمارية، وإطلاق قطاعات جديدة وواعدة مثل قطاع السياحة من خلال مشاريع: نيوم، والبحر الأحمر، والقدية، وأمالا، وكذلك قطاع العقار من خلال عدة مشاريع تنفذها شركة روشن العقارية لتطوير الأحياء السكنية بمعايير عالية، ويأتي في مقدمة البرامج التي تركز الحكومة عليها على المدى المتوسط برنامج صندوق الاستثمارات العامة الذي يتطلع إلى مضاعفة أصول الصندوق تحت الإدارة إلى 4 تريليونات ريال تراكميًا بنهاية العام 2025م، ليكون أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم والشريك الاستثماري المفضل، بما يرسّخ مكانته في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد العالمي.
وهناك مبادرة دعم المنتجات والخدمات الوطنية من خلال برنامج “صُنع في السعودية” الذي سيقدم حزمة كبيرة من المزايا والفرص للشركات بهدف توسيع نطاق عملها والترويج لمنتجاتها محلياً وعالمياً، بالإضافة إلى قطاع الخدمات اللوجستية الذي يشمل القطارات والحافلات من خلال تشغيل مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام، إلى جانب إطلاق عدّة برامج ومبادرات في قطاع التقنية والذكاء الاصطناعي أهمها (طويق، همّة، وقمّة) تحقيقًا لمستهدفات الرؤية في اغتنام فرص الاقتصاد الرقمي، بما يعزز دور القطاع غير النفطي.
وتهدف السياسات المالية إلى تقوية المركز المالي للمملكة من خلال الحفاظ على مستويات مناسبة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز قدرتها على التعامل مع الصدمات الاقتصادية، كما تستهدف تعزيز الاحتياطيات لدى البنك المركزي لتصل إلى مستويات تقارب الـ 350 مليار ريال في العام 2022م، وهي أعلى مما كان متوقعاً لها في تقديرات العام السابق، وتستمر بالتزايد على المدى المتوسط.
وقد حققت المملكة خلال السنوات الخمس الماضية نتائج ملموسة من خلال الالتزام بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 ومواصلة العمل على إنجازها، حيث شهدت نجاحات ملحوظة منها تبني أنظمة حياة صحية، وخدمة ضيوف الرحمن من مختلف أنحاء العالم، والاهتمام بالمواقع الأثرية. كما نمت أصول صندوق الاستثمارات العامة بشكل كبير، أيضًا ارتفعت مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى ارتفاع الإيرادات غير النفطية، وزيادة دور القطاع الخاص، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
يركز برنامج تنمية القدرات البشرية على إعداد وتأهيل القدرات البشرية من خلال تطوير أساس تعليمي متين للجميع يسهم في غرس القيم منذ سن مبكرة، وتحضير الشباب لسوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي، وتعزيز ثقافة العمل لديهم، وتنمية مهارات المواطنين عبر توفير فرص التعلم مدى الحياة، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، مرتكزاً على تطوير وتفعيل السياسات والممكنات لتعزيز ريادة المملكة، إضافة إلى تفعيل أكبر للشراكة مع القطاعين الخاص وغير الربحي، حيث يسعى البرنامج في هذا السياق إلى تحقيق مستهدفات عدة، من بينها زيادة فرص الالتحاق برياض الأطفال من 23 % إلى 90 %، ودخول جامعتين سعوديتين ضمن أفضل 100 جامعة في العالم بحلول العام 2030م، بما يعزز مكانة المملكة عالمياً.
ويساهم برنامج التحول الوطني منذ إطلاقه في تحقيق العديد من الإنجازات المهمة والمؤثرة في تطوير الأنظمة الحكومية، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، مثل تطوير الخدمات العدلية، والارتقاء بالرعاية الصحية، وتحسين المشهد الحضري، وتطوير البنية التحتية للمملكة كإنشاء محطات لتحلية المياه المالحة، وتطوير شبكة الربط التكاملية لها، وتسهيل ممارسة الأعمال، والتوسع في التحول الرقمي والحلول التقنية، إلى جانب تنظيم سوق العمل، وتمكين المرأة وزيادة مشاركتها في القوى العاملة، وتنمية القطاع غير الربحي، وتطوير القطاع السياحي.
كما قطعت شوطًا كبيرًا نحو تحسين شفافية المالية العامة، بالإضافة إلى إطلاق منصة إلكترونية شاملة لخدمات وزارة المالية المقدمة لمختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص (منصة اعتماد) تمكينًا للتحول الرقمي، وقد انعكست تلك المبادرات على رفع مستويات شفافية الميزانية العامة للمملكة بعدة مؤشرات عالمية، وتهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار إلى زيادة الاستثمار في المملكة من أجل تحفيز النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات ذات الأولوية مع إسناد دور أكبر إلى القطاع الخاص المحلي والأجنبي.