يستقبل السودانيون عامهم الجديد تحت أزيز الطيران الحربي ودوي المدافع، في حرب لم يسبق لها مثيل طوال تاريخ الحروب السودانية، فالتهمت نيرانها أخضر البلاد ويابسها، ولم يصل طرفاها بعد إلى الإرادة الكافية لإيقافها، مما زاد من رقعة تمددها لتصل إلى ولايات لم تشهد نزاعات مسلحة من قبل، وحصدت آلتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، في ظل أوضاع إنسانية مأسوية يعيشها الملايين الذين فروا ما بين لاجئ بدول الجوار ونازح تتقاذفهم الظروف القاسية.
ولم يكن الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه في أواخر العام 2022 إلا بداية لخلاف جديد لحيث شهد بداية العام 2023 والذي كان مقرراً فيه مناقشة القضايا العالقة في الاتفاق الإطاري مشادات ومناكفات حادة، بسبب الاستقلالية التي منحها الاتفاق الإطاري لقوات الدعم السريع، والتي أثارت حفيظة القوات المسلحة، وكانت قاصمة الظهر عدم التوافق حول تحديد مدد دمج قوات الدعم السريع وبناء جيش وطني موحد.
ولم تفلح المساعي والجهود الإقليمية والدولية في كبح تلك الخلافات، على الرغم من تحديد الأول من أبريل موعداً للتوقيع النهائي على الاتفاق السياسي الذي تشارك فيه جملة من القوى السياسية على رأسها تحالف الحرية والتغيير، وتشتت الجهود ما بين خلافات القوى السياسية فيما بينها، والمشاركات الخشنة داخل المكون العسكري.
ومثل شهر أبريل 2023 نقطة فاصلة ليس فيما بين شقي المكون العسكري فحسب، وإنما نقطة فاصلة في تاريخ البلاد، وبدأت إرهاصات ذلك من خلال التحركات العسكرية من قبل الجانبين، إذ حرك الدعم السريع قواته ناحية قاعدة مروي العسكرية، ونشر قواته في مناطق جديدة دون علم قيادة الجيش، بجانب تحركات مماثلة قامت بها القوات المسلحة، الأمر الذي جعل الأجواء ملغمة في انتظار الاشتعال والذي كانت شرارتها في الخامس عشر من أبريل من العام 2023، إذ استيقظ السودانيون في العاصمة الخرطوم على أصوات الرصاص، ووجد المدنيون أنفسهم تحت رحمة المدافع وغارات الطيران الحربي.
وتاهت ذكرى استقلال البلاد الثامنة والستون وسط أحلام الملايين المشردين في الأصقاع بحثاً عن وطن آمن مستقر، بعد أن استطال أمد الحرب التي دخلت شهرها التاسع، وتمددت ميادينها، وسط البلاد وغربها، فيما لا تزال بقية الولايات الآمنة مهددة بلهيبها.