فيما تخطت الحرب على قطاع غزة حاجز الـ260 يوماً، مع استمرار القصف وارتفاع حصيلة القتلى إلى 37551، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، فإن مجاعة مميتة أخذت تتفشى في شمال القطاع، حيث يعيش ما يزيد عن 650 ألف فلسطيني ممن فضلوا البقاء في منازلهم آلام الجوع، إثر منع إسرائيل إدخال المواد الغذائية منذ 8 أشهر إلى المنطقة المنكوبة.
أطفال ونساء ومسنون وبعضهم مرضى، يتضورون جوعاً، ويستغيثون بأمعاء خاوية، فيما المجاعة في أشد فصولها، خصوصاً مع تزايد الضغط على السكان بتشديد الحصار ومنع إدخال المعونات، ولا تسمع من المواطنين هناك إلا عبارة: «أغيثونا.. متنا من الجوع».
وحتى ما تبقى من سلع غذائية في الأسواق، فقد أصبحت أسعارها خيالية، ولا يقدر عليها أحد، ومع بدء اختفاء المواد الأساسية، يصف سكان شمال غزة الوضع بالكارثي، وغير المسبوق حتى في الأشهر الأولى للحرب، مؤكدين أنهم باتوا يقضون ساعات طويلة في البحث عن أي شيء يؤكل ولا يجدوه.
«السلعة التي تنفد لا يأتي غيرها»، قال المواطن صلاح الأسطل، النازح من خان يونس، مبيناً أن كل ما تبقى للمواطنين في شمال غزة هو القليل من الطحين فقط، ومنذ عدة أيام لا يأكلون سوى الخبز، وفي حال نفاده سيواجهون مجاعة أصعب من كل سابقاتها، وفق قوله.
يقول الأسطل: «الأطفال هنا يتضورون جوعاً، والأهالي عاجزون عن فعل شيء، ورغم المجاعة المتفشية، يرفضون النزوح عن منازلهم، وليس لديهم نية لتركها، وعلى العالم أن يتحرك لوقف تدهور الأوضاع، وصد المجاعة».
سوء تغذية
وفي الأيام الأخيرة، بدأت تظهر على سكان شمال غزة، علامات كثيرة لسوء التغذية، كالنقص المتسارع في أوزانهم، وضعف ووهن أجسامهم وشحوب وجوههم، وتدهور الوضع الصحي للمرضى منهم نتيجة لنقص مناعتهم، فضلاً عن التشوهات الخلقية للمواليد الجدد، ما ينذر بكارثة عنوانها الموت جوعاً.
«الناس جاعت» تقول الفتاة العشرينية عائشة الفرا، مبينة أنها تضطر لقطع مسافات طويلة يومياً، في محاولة للوصول إلى المناطق التي تصل إليها المساعدات الإغاثية، لكنها لا تعود إلا ببعض المعلبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كما تقول.
وتوضح: «بعض الأطفال والمرضى قضوا جوعاً، وهناك آلاف أمثالهم يتربص بهم الموت.. الأمور هنا ذاهبة إلى الهاوية، ومشاهد الجوع باتت مفزعة ومروعة، كأننا نقف في طابور للموت».
انعدام بدائل
ويعول الفلسطيني أسعد الجبور، على أوراق الشجر، لتوفير بعض الوجبات الغذائية لأطفاله، مبيناً أنه في ظل انعدام البدائل، لم يجد بداً من اللجوء إلى أوراق العنب والتوت البري الآخذة في النفاد هي الأخرى، نتيجة لتهافت السكان الجوعى عليها.
ويضيف: «حتى لحوم الأضاحي التي تبرعت بها مؤسسات خيرية دولية، وكنا نعول عليها كثيراً في التخفيف من معاناتنا، رفضت السلطات الإسرائيلية إدخالها إلى منطقة شمال غزة، فخاب ظن الأهالي بتناول اللحوم لأول مرة منذ بدء الحرب، وما سمح بإدخاله فقط كمية قليلة من الطحين وبعض المعلبات، وقد نفدت سريعاً».
ويبحث سكان شمال قطاع غزة عن أي بديل يمكن تقبله وتناوله كي يبقيهم على قيد الحياة، ويشكو الجميع من غلاء أسعار ما يوفره بعض التجار من الخضروات البلدية أو أسماك الصيد، علماً أن الصيادين أيضاً يجازفون بحياتهم لدى محاولتهم توفير المأكولات البحرية، إذ حسب شهادات الكثيرين منهم تتعرض قواربهم للمراقبة والملاحقة والاستهداف بشكل يومي.